ولكن ذلك ليس خاصا
بقارون أوفرعون فهما مجرد نماذج، ولهذا تأتي القاعدة العامة في قوله تعالى :﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ
دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ
عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر:49)، فتلك النعم، وذلك العلم الذي
استدل به عليها مجرد فتنة وابتلاء.
والقرآن يشير هنا
إلى خطر فتنة العلم، العلم الذي اتخذ في كثير من أحقاب التاريخ مبررا للإلحاد
وغطاء للكفر وسبيلا للتنصل من التكاليف.
ولذلك فإن أول ما
يبدأ به القرآن الكريم في تربيته للنفوس المؤمنة وتأمينها من فتنة العقل و العلم والحد
من طغيانهما الناشئ من فرط الفرح بهما بيان أن ذلك العلم الذي تفخر به البشرية،
والذي تعتبره نتيجة من نتائج عقولها الجبارة، عارية وليس ملكا، والعارية لا يفرح
بها وإنما تستعمل للحاجة والضرورة، قال تعالى :﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(النحل:78)
فكما بدأ الإنسان
أول خلقته جاهلا فكذلك يختم له بالجهل، قال تعالى :﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ
يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا
يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِير﴾(النحل:70)
فالإنسان محدود
العلم من حيث مدة علمه التي لا تتجاوز فترة حياته