بعد أن
انتهينا من الدراسة في القسم الثاني، وبعد أن رأيت تأثير التعاليم التي بثها
الآجري في نفوس السامعين، سرت مع أهل السوق إلى القسم الثالث، وكان اسمه (قسم
الشحناء)، وقد عرفنا أن شيخه هو علي بن الحسين المسعودي[1].. وعلمنا أن له كزملائه من العلماء من المصنفات ما أثبت به تضلعه في
علوم الأخلاق، وقد أضاف إلى ذلك علمه بالتاريخ وأحوال الأمم وما مر بها من قوة
وضعف.. وقد رشحه كل ذلك لأن يتولى رئاسة التدريس في هذا القسم الخطير من هذه
المدرسة.
بعد أن دخلنا
القسم تعجبنا من تلك المعاملة الطيبة التي قابلنا بها المسعودي حتى أن أحدنا قال
له: لقد ظلمك من وضعك في هذا القسم.. فأنت أستاذ في الحب والمودة لا في الشحناء
والبغضاء.
ابتسم
المسعودي، وقال: لا يعرف الحب والمودة ولا يقدرهما حق قدرهما إلا من عرف الشحناء
والبغضاء وصلي بنارهما.. وأنا قد اخترت هذا القسم لأني جلت البلاد،
[1]
أشير به إلى علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن الهُذَلي، البغدادي (235 ـ
346هـ) المؤرخ الكبير، خرج سنة (301هـ) من بغداد، وقام برحلةٍ واسعة، طاف بها في
البلاد النائية المختلفة واهتمّ بدراسة أحوال الاَُمم، وعقائدها، وعاداتها،
ومواطنها.
وكان موَرخاً بارعاً،
وجغرافيّاً ماهراً، وفقيهاً مُفتياً أُصولياً، ومتكلّماً عارفاً بالفلسفة.. وكان
له اضطلاعٌ في الاَدب وعلم النجوم والاَخلاق والسياسة والاَنساب، كما ينمّ عن ذلك
مصنّفاته الكثيرة المتنوعة.
من مصنّفاته: مروج الذهب
ومعادن الجوهر والاِشراف، الواجب في الفروض اللوازب، نظم الاَدلّة في أُصول الملّة،
الزاهي في أُصول الدين، المقالات في أُصول الديانات، الاستبصار في الاِمامة،
والهداية إلى تحقيق الولاية، والاِبانة في أُصول الديانة، والاَدعية، وطبّ النفوس،
وسرّالحياة في الاَخلاق، والفهرست في الرجال، وذخائر العلوم وما كان في سالف
الدهور، وأخبار الاَُمم من العرب والعجم، وفنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف،
وحدائق الاَذهان في ذكر آل محمّد a
وتفرّقهم في البلدان، وغير ذلك.