في القدر، وإنما تحل
عبر الشعور والإحساس، وفي نفس الوقت الإيمان واليقين، فالشعور والإحساس باب لإدراك
الحرية، والإيمان واليقين باب للوصول إلى حقائق التوحيد.
هذا من جهة..
ومن جهة أخرى، لو غيبت
عن هذا المجادل جميع حقائق التوحيد التي تجعل الأمر لله من قبل ومن بعد، ثم قيل
له: أتشك في الفرق بين نبضات قلبك وحركات يدك، أم تشك في كون الفكر الذي تفخر به
وليد خلايا دماغك، أو تشك في مسؤوليتك على تصرفاتك؟
إن أي عاقل لا يعتريه
الشك في هذا، بل لا يكاد يحطر على باله مثل هذا السؤال لو لم تطرح حقائق التوحيد.
فيقال له بعد هذا: ما
يضيرك أن يكون الله عالما باختيارك قبل أن تختاره، أوعالما بمشيئتك قبل أن تشأها،
أو أنه هو الذي حرك حركاتك لتتمكن من فعل ما فعلته، فهل يقول بعد هذا: إذن كنت
مجبرا دون أن أشعر؟
ولنضرب مثالا مقربا
لهذا المعنى: وهو أن الشرطة مثلا قد تعلم بعصابة ما، ثم تعلم عزمها على ارتكاب
جريمة ما، ومع ذلك لا تقبض عليها، بل تترك لها حرية التصرف لتقبض عليها وهي متلبسة
بالجريمة التي تريد ارتكابها، بل قد تساعدها، فتوفر لها الأجواء المناسبة لارتكاب الجريمة[1].
فهل يقبل عذر هذه
العصابة لو اعتلت بعلم الشرطة وتسهيلاتها على أنها كانت مجبرة على جريمتها؟
أم أن الشرطة هي
المعذورة في ذلك التصرف، بل هو مقتضى العدالة التي تمثلها، لأنها لو قبضت على
العصابة في غير ذلك الوضع، لأنكرت جرائمها، ويكون لها من جهة العدالة
[1] وهذا ما يحصل كثيرا في الواقع لإثبات الجريمة،
لأن الجريمة لا تثبت إلا ببينة.