إلى المعنى، وخطابهم
بشؤون الدنيا ينقلهم إلى شؤون الآخرة.
فيقال لهذا المجادل في
إرادته:( إن الأرزاق والضر والنفع بمشيئة الله)، فاترك السعي، بل اترك الأكل والشرب،
فإن من أجبرك على الطاعة والمعصية ـ حسب وهمك ـ هو الذي أخبر بأنه يطعم ويرزق.
فإن أبى، فهو علامة على
أن مصدر هذا الوهم هو الهوى، أو مصدر هذا الوهم استكبار العقل.
أما إرادة العقل البحث
عن حقيقة الحقائق، وهي ( كيف)، فهذا سؤال الوهم لا سؤال العقل.
ولنضرب مثلا بسيطا قد
يرفع هذا الوهم، وهو ما يطرحه بعضهم عند ذكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من
أنه ( لماذا لم يخبر رسول الله a قومه من باب النبوءة
بالمخترعات الحديثة؟.. ولماذا لم يخبر بالنظريات العلمية الكثيرة بصيغها العلمية،
فيكون في ذلك الإخبار نبوءة عظمى قد تتحول البشرية جميعا بموجبها إلى الإسلام؟)[1]
والجواب عن هذا بسيط،
وهو أنه لو كان الأمر كذلك لاحتار المخاطبون، بل لكذبوا، ولا يستطيع إقناعهم
بحقيقة ما قال إلا بعد نقلهم من ذلك التخلف إلى ذلك الازدهار المادي الذي يتحدث
عنه.
وكذلك الأمر بالنسبة
لمن يجادل في الجمع بين إرادة الله وإرادة البشر ـ ولله المثل الأعلى ـ فهو يريد
بعقله الضعيف وطاقته المحدودة أن يحد الألوهية بحدوده البشرية، بل يريد ـ ليفهم
حقيقة الأمر ـ أن يصبح إلها حتى يدرك حقيقة الجمع بين إرادة الله المطلقة وحرية
البشر.
لذلك، فإن هذه المسألة
لا تحل عبر الجدل، ولعلها هي المقصودة بالنهي عن الحديث
[1] قد رددنا على هذه الشبهة بتفصيل في رسالة
(معجزات علمية)