فالبشر في ذلك مثل
الشوائب التي تختلط بالمعادن النفيسة، فإنها بعد عرضها على كير الامتحان يميز
الذهب، فيوضع في أعناق الحسان، ويرمى بالشوائب إلى القمامات.
لكن..
هل يمكن أن نعرف
أصناف الخلق في الآخرة، في تلك النشأة المتميزة.
في الدنيا، نعرف
أصناف السلالات، وأنواع الألوان، وأجناس القوميات، والأحزاب والمذاهب والأديان
التي يتميز الناس على أساسها.
أما في الآخرة،
فالتمايز شديد، ولكنه يرجع إلى مقياس واحد هو صورة الروح التي تشكلت في الدنيا،
ونوع المعدن الذي تمخضت عنه الأنا، يقول
الغزالي: (الناس في الآخرة ينقسمون أصنافاً وتتفاوت درجاتهم ودركاتهم في السعادة
والشقاوة تفاوتاً لا يدخل تحت الحصر كما تفاوتوا في سعادة الدنيا وشقاوتها ولا
تفارق الآخرة في هذا المعنى أصلاً البتة، فإن مدبر الملك والملكوت واحد لا شريك
له. وسنته الصادرة عن إرادته الأزلية مطردة لا تبديل لها) [1]
وقد أشار إلى هذا
التمايز الشديد قوله تعالى:﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ (الاسراء:21) أي
ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من تفاوتهم الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات
في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العلى ونعيمها وسرورها، ثم
أهل الدركات يتفاتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون.