حَسِبْتُمْ أَنْ
تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ
يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة:16)، فالآيتان تكادان تصرحان
بأن البلاء من وسائل حصول العلم بالمؤمنين، وتمييزهم عن غيرهم.
والجواب عن كل هذا ـ
ابتداء ـ هو أن القرآن الكريم الذي نطق بهذه النصوص هو الذي نطق معها وقبلها
بالحقائق الغيبية قبل حصولها، فكانت كما أخبر، وقد مر معنا من أمثلة ذلك ما يغني
عن إعادته، ولا ينبغي ضرب محكم القرآن الكريم بمحكمه.
فالحقيقة إذن لا جدال
فيها، وإنما الجدال الذي قد يحصل هو في التعبير عن الحقيقة، ولا محذور من مخالفة
ظاهر التعبير إلى تعبيرات أخرى تؤدي المعنى وتحققه، فاللغة حمالة وجوه.
ومثل هذا ما عبر به
الحديث القدسي الذي يقول الله تعالى فيه على لسان نبيه a:( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني)[1] فهذا الحديث أصل في هذا الباب، يفتح المجال لفهم النصوص المتشابهة
على ضوء النصوص المحكمة.
فنحن لا نشك في كونه
تعالى لا تعتريه الأعراض والحوادث، ولكن النص جاء لغرض معين، فلا ينبغي أن يجادل
أحد ويحمل الظاهر على ظاهره، ولو خالف الحقائق القطعية.
وما دام الأمر مجرد
تعبير لفظي قد يحمل وجوها مختلفة، فقد اتفق العلماء على أن المراد ليس ما يوهمه
ظاهر اللفظ، وإنما المراد معان أخرى:
فمنهم من قال: إن
المراد ( علم المعاينة)، فهو وحده العلم الذي يوجب الجزاء.
[1] نص الحديث: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة:
يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني؟ قال: يا رب! كيف أعوذك وأنت رب العالمين! قال: أما
علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم!
استطعمتك فلم تطعمني؟ قال: يا رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين! قال: أما علمت أنه
استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه! أما علمت لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم!
استسقيتك فلم تسقني؟ قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين! قال: اسقاك عبدي
فلان فلم تسقه، أما! إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي) رواه مسلم.