والجواب عن ذلك ما
ذكرنا في باب الحكمة من أن الله تعالى ينوع الدلائل على قدرته، وعلى مشيئته، وأن
هذا من مقتضيات الربوبية ومن مقتضيات اسمائه الحسنى.
وهذه الحكمة تنطوي
على رحمة عظيمة للإنسان، فالنشأة الإنسانية في منتهى السمو والرفعة، بل إن الإنسان
فهرس العالم الأكبر، وجامع تفاصيله[1].
يقول ابن عطاء الله
في بيان رحمة الله في خلق النشأة الإنسانية بهذه الصورة:( جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ؛ ليعلمك جلالة قدرك
بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته)
أي أن الله أنعم
على الإنسان بأن جعله عالماً متوسطاً بين ملكه، وهو عالم الشهادة، وملكوته وهو
عالم الغيب، ولم يجعله ملكياً محضاً ولا ملكوتياً محضاً، بل جعل فيه من كلا
العالمين ليعلمه جلالة قدره بين مخلوقاته، حيث جمعت بين الظاهر والباطن، وبين
الجسمانيات والروحانيات، فانطوى فيه العالم الأكبر.
[1] ذكر العلماء بعض مظاهر انطواء العوالم في
الإنسان،ومنها:
أن فيه من صفات الملائكة العقل والمعرفة والعبادة.
ومن صفات الشيطان الإغواء والتمرد والطغيان.
ومن صفات الحيوانات أنه في حالة الغضب يكون أسداً، وفي حالة غلبة الشهوة
يكون خنزيراً لا يبالي أين يلقي نفسه، في حالة الحرص على الدنيا والشره يكون
كلباً، وفي حالة الاحتيال والخداع يكون ذئباً.
ومن صفات النبات والأشجار أنه يكون في مبدئه غصناً طرياً مترعرعاً وفي
آخره يابساً أسود.
ومن صفات السماء أنه محل الأسرار والأنوار ومجمع الملائكة.
ومن صفات الأرض أنه محل لبنات الأخلاق والطباع، ومنه اللين والخشن.
ومن صفات العرش أن قلبه محل التجلي.
ومن صفات اللوح أنه خزانة العلوم.
ومن صفات الجنة إنه إذا حسنت أخلاقه تنعم به جليسه.
ومن صفات النار أنه إذا قبحت أخلاقه احترق به جليسه.