ومثل تسليط
الشياطين تسليط الدواعي التي تمتطيها الشياطين للاستيلاء على قلب الإنسان من
الشهوة والغضب ودواعيهما، وإرسال رياح الفتن لاختبار طبيعة الإنسان، فإن كل ذلك ـ
بالتأمل الصادق ـ رحمة إلهية عظمى.
فإنه لولا هذا لفات
الإنسان من الفضائل ما هو أضعاف الآلام الممزوجة بهذه الدواعي، فلولاها لم تحصل
فضيلة الصبر ولا جهاد النفس ومنعها من حظوظها وشهواتها محبة لله وإِيثاراً لمرضاته
وطلباً للزلفى لديه والقرب منه.
بل لولاها ما تحقق
سير السائرين إلى الله، كما يقول ابن عطاء الله:( لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين، إذ لا مسافة بينك وبينه
حتى تطويها رحلتك، ولا قطعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك)
فالسير إلى الله
إنما هو قطع عقبات النفس، إذ لا مسافة حسية بين الله وعبده، ولا مقاطعة توجب البعد
المعنوي بين الله وعبده حتى تمحوها وصلته، وليس ثم حجاب غير حجاب النفس.
فلذلك كان من رحمة
الله خلق هذه النفس بهذه الصورة ليتحقق من قطع عقباتها التعرف على الله والوصول
إليه.
***
قد يقال: فلماذا لا
نكون بهيئة أخرى ومع ذلك ينعم علينا ـ من غير مجاهدة ـ بهذه المعرفة وذلك الوصول؟
والجواب عن ذلك أن
الأمر لو لم يكن بهذه الصفة، لما كانت النشأَة
الإِنسانية إِنسانية، بل كانت ملكية، ولما كان الإنسان حينها إنسانا بل كان ملاكا.