بل ولا علاقة لها
بالزمان[1].. قد أحاطت بالأزل والأبد.. فإن الماضي والحاضر والمستقبل بالنسبة
لها لا معنى له، فجميع حوادث الدهر ماثلة بين يديها (ولكن كل واحدة في موقعها
الخاص)، وهـي محيطة علمابجميع الـحوادث وموجودات العالم، سوا بالماضي، أوبالحاضر،
وبالمستقبل بصورة متساوية.
نعم.. إن تصور هذا
بالنسبة للعقل المحبوس في مضيق الحس صعب.. ولكن كل الحقائق لا تدل إلا على هذا..
ولا نملك أن نقول في هذا غير هذا.
ولهذا، فإن القرآن
الكريم ينص في نصوص كثيرة على أن علم الله لا يرتبط بالمكان والزمان، فالله تعالى
يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:34)
ويخبر عن مقالة أهل
الجنة وأهل النار قبل أن يقولوا ذلك، بل إن القرآن الكريم يعبر عن ذلك بصيغة
الماضي الذي حصل وانقضى، فيقول:﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ
مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا
الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا
شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنعام:128)
ويصور القرآن الكريم
مشهدا من مشاهد الآخرة، فيعبر عنه بصيغة لا تفيد إلا شيئا واحدا، وهو أن هذا
المشهد مضى وانقضى، قال تعالى:﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ
الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ
مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) وَنَادَى
[1] إلا علاقة خلق المكان والزمان.. ولا ينبغي أن
نلتفت هنا إلى أولئك الغارقين في أوثان التشبيه ممن يتصورون هذا إعداما للإله،
فالعلم الحديث يقر بأن المكان والزمان مخلوقان محدثان.. فهذا (ستيفن هوكنج) العالم
الفيزيائي الشهير، والذي يدعى نيوتن العصر الحديث، يقول:« لم تكن المادة هي وحدها
التي خلقت أثناء الانفجار العظيم، بل إن الزمان والمكان أيضاً خلقا.. إن للمكان
بداية، إذن: للزمان بداية) (انظر: الكون، بوزلو، ص46)