ساقا الإنسان أقصر
أو أطول مما هما.. أو كانت قدماه أكثر تقعراً أو استدارة.. كيف كان يستطيع أن يقضي
حاجته من سير أو عدو.
وترى لو كانت يداه
بلا أصابع، كيف يلتقط ما يأكله؟ وكيف يمسك ما يؤدي به أغراضه؟ أليس ذلك دليل على
قصد يوضح قدرة القاصد وحكمته؟
إن دلائل ملاءمة
الإنسان لبيئته، لأكثر من أن تعد، فحركات المفاصل والعضلات، وتكوين فقرات العظام..
بل تتغلغل أدلة الرحمة حتى تشمل العين، فوجد لها الجفن الذي يحميها والرمش الذي
يقيها.. وإن تلاؤم الكائن مع بيئته، ليظهر أوضح في الحيوانات على اختلافها، ففيها
آيات ناطقات، تسبح بحمد الموجود الذي عمت رحمته الأرجاء على أتساعها، والكائنات
على اختلافها.
وأقرب مثل يتجلى
فيه التلاؤم الذي يختلف باختلاف الظروف الحرباء، فهي تتلون بعدة ألوان فهي صفراء
في الصحراء، فإذا صادفت خطراً أخذت لون ساقها البني الغامق وقد يصادفها عشب أخضر،
فتخضر فورا،أما إذا وجدت حجرا أبيض أبيضت مثله، وإذا وجدت أحمر أحمرت، وتسود بجوار
ما يكون أسود، ثم تعود لتأخذ زرقة الماء في شاطئه.
ولعل الأرنب
القطبي، يعتبر صورة صادقة لما تجود عليه به الحياة من أساليب المواءمة. فهو حيوان
ضئيل الجسم، أبيض الشعر ن طويل الأذنين. يقطن أقاصي الشمال المتجمد، وتكتسي قوائمه
في الشتاء بخف كثيف، حتى لا تغوص في ذلك الثلج الناعم اللين، وحتى يستطيع الحركة
في جو تعجز فيه عن الحركة كل الوحوش والطيور.
ومن عجيب ما حبته
الحياة لهذا الحيوان، أنه في سني الرخاء يتناسل تناسلا كبيراً شديدا، في سني
القحط، فإنه يصاب بالطاعون الذي يقضي على الجزء الأكبر منه.