فهؤلاء الصالحون لم
يقصدوا بالإمامة إلا هذا.. فيكونوا قدوة صالحة لغيرهم.. ثم يجيئون يوم القيامة في
موازين حسناتهم.
ومن هذا الباب
استحب علماء السلوك المسلمين إظهار الأعمال الصالحة، ليكون الصلاح هو السلوك العام
الذي يحكم المجتمع المسلم[1].
وقريب من هذا ما
روي من الأعمال التي لا تنقطع بعد موت صاحبها، فقد ورد في الحديث قوله a:( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه
ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه،
أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته)[2]
وفي حديث آخر، قال
رسول الله a:( سبع يجري أجرهن للعبد بعد موته وهو في قبره: من
علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك
ولدا يستغفر له بعد موته)[3]
[1] وقد قيد الغزالي ذلك بقيدين عبر عنهما بقوله:(
ولكن على من يظهر العمل وظيفتان: إحداهما أن يظهره حيث يعلم أنه يقتدي به أو يظن
ذلك ظنا، ورب رجل يقتدي به أهله دون جيرانه، وربما يقتدي به جيرانه دون أهل السوق،
وربما يقتدي به أهل محلته، وإنما العالم المعروف هو الذي يقتدي به الناس كافة.
فغير العالم إذا أظهر به الطاعات ربما نسب إلى الرياء والنفاق وذموه ولم يقتدوا به
فليس له الإظهار من غير فائدة، وإنما يصح الإظهار بنية القدوة ممن هو في محل
القدوة على من هو في محل الاقتداء به والثانية أن يراقب قلبه فإنه ربما يكون فيه
حب الرياء الخفي، فيدعوه الإظهار بعذر الاقتداء، وإنما شهوته التجمل بالعمل وبكونه
يقتدي به، وهذا حال كل من يظهر أعماله إلا الأقوياء المخلصين وقليل ما هم. فلا
ينبغي أن يخدع الضعيف نفسه بذلك فيهلك وهو لا يشعر، فإن الضعيف مثاله مثال الغريق
الذي يحسن سباحة ضعيفة فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم فأقبل عليهم حتى تشبثوا به
فهلكوا وهلك، والغرق بالماء في الدنيا ألمه ساعة وليت كان الهلاك بالرياء مثله، لا
بل عذابه دائم مدة مديدة، وهذه مزلة أقدام العباد والعلماء فإنهم يتشبهون
بالأقوياء في الإظهار ولا تقوى قلوبهم على الإخلاص فتحبط أجورهم بالرياء، والتفطن
لذلك غامض)