بل إن الله تعالى يخبر
عن معرفتهم ببعض أوصاف كمال الله وأسمائه الحسنى، قال تعالى:﴿ وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ
الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ (الزخرف:9)
ولذلك ينطلق القرآن
الكريم من هذه المعارف الأصلية التي هي بقايا من فطرهم الأصلية ليصلح ما أفسدته
المؤثرات الخارجية، وبذلك يعتمد الوحي اللاحق على الوحي السابق، كما قال تعالى:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي
بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (الزمر:38)
وبذلك أمكن أن يحاسب الإنسان على ما أودع
في فطرته الأصلية من معارف الإيمان، كما ورد في الحديث الصحيح من قوله a:( يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت
لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال، فيقول: نعم، فيقول: قد أردت
منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك
بي)[1]
ومراعاة لهذه الفطرة الأصلية المؤمنة نهى
النبي a عن قتل الذرية في الحروب، فقد ورد في
الحديث عن الأسود بن سريع قال: غزوت مع رسول اللّه a أربع غزوات، قال: فتناول القوم الذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ
ذلك رسول اللّه a، فاشتد عليه، ثم قال:( ما بال
أقوام يتناولون الذرية؟)، فقال رجل:( يا رسول اللّه أليسوا أبناء المشركين؟)،
فقال: (إن خياركم أبناء المشركين، ألا إنها ليست نسمة ولد تولد إلا ولدت على
الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها، فأبواها يهودانها وينصرانها)[2]