وكلامه هذا لا يتعارض
فقط مع ما نحن فيه من تقدير الآجال، بل هو معارض بكثير من النصوص التي تدل على ما
للأعمال من تأثير في رفع أحكام الأقدار.
فالله تعالى ـ مثلا ـ
قدر أرزاقا معينة للعبد، ومع ذلك وعد بالزيادة أو الحرمان لمن توفرت فيه شروط
معينة، كما ورد في الحديث السابق، وقد قال بعضهم في الآية
السابقة: ( يمحو من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه)[1]
ومن أدعية السلف في
هذا ما روي عن ابن مسعود قال:( ما دعا عبد قط بهذه الدعوات، إلا وسع الله له في
معيشته، يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول، لا إله إلا
أنت ظهر اللاجين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين، إن كنت كتبتني في أم الكتاب شقيا
فامح عني اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيدا، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب
محروما مقترا علي رزقي، فامح حرماني ويسر رزقي وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير،
فإنك تقول في كتابك الذي أنزلت: ﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد:39)[2]
* * *
قد يقال هنا: فكيف قال a:( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن امه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه
مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا ويؤمر باربع كلمات ويقال
له: اكتب عمله ورزقه واجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل
بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل
أهل النار فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها
إلا ذراع، فيسبق عليه
[1] وقد رفعه إلى النبي r، فعن عن همام عن الكلبى فى قوله تعالى ﴿
يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد:39)، قال: يمحو من
الرزق، و قال: فقلت: من حدثك؟ قال: أبو صالح عن جابر بن رئاب عن النبى r.
[2] رواه ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا
في الدعاء.