ونرى
أن التأمل والتعمق في فواصل هذه الآيات يكشف عن معارف جليلة ترتبط بهذه الأصناف،
ونوع المكونات التي تتأملها، وطريقة تأملها، وهو تصنيف أساسي له علاقة كبيرة
بالسلوك، وقد نتحدث عنه في المناسبات المرتبطة به.
ولهذه
الأصناف جميعا ورد قوله تعالى:﴿
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت:53)، فهذه الآيات موجهة لهؤلاء، أو هي بعبارة
أخرى موجهة لجميع الناس، ولكن لا يستفيد منها غير هؤلاء.
أما
غيرهم من المعرضين عن آيات الله الذين يقصرون نظرهم على شهواتهم، فلا يرون في
الكون غير سوق لتغذية هذه الشهوات، فالقرآن الكريم يضعهم في صنف المعرضين، قال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا
مُعْرِضُونَ﴾ (الانبياء:32)، وقال تعالى:﴿ وَكَأَيِّنْ
مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا
مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف:105)
وهؤلاء
هم الأميون في عالم الحقائق، وإن قرأو جميع حروف العالم، وحللوا جميع لغاته،
فالعجب كل العجب ـ كما يقول الغزالي ـ ممن يرى خطاً حسناً أو نقشاً حسناً على حائط
فيستحسنه، فيصرف جميع همه إلى التفكر في النقاش والخطاط وأنه كيف نقشه وخطه وكيف
اقتدر عليه ولا يزال يستعظمه في نفسه ويقول: ما أحذقه وما أكمل صنعته وأحسن قدرته
ثم ينظر إلى هذه العجائب في نفسه وفي غيره ثم يغفل عن صانعه ومصوّره فلا تدهشه
عظمته ولا يحيره