والقرآن
الكريم يلفتنا إلى وجوه الحكم في هذا الكون المسخر، لنرعاها، ونتعامل معه وفق
مقتضاها، فلا نحيد بها عن مراد الله، بينما يتصوره الغافلون الجاحدون كونا
مستباحا، لا قوانين تحكمه، ولا ضوابط أخلاقيه تقيد التعامل معه.
وأساس
النظرة الإيمانية ـ كما سبق بيانه ـ هو اعتقاد المؤمن ملكية الله تعالى لهذا
الكون، وهذه الملكية هي التي تجعل له وحده حق إباحة منافعه أو حظرها، وكيفية
الانتفاع به، بخلاف النظرة المادية الجاحدة التي تتصوره مشاعا لا مالك له، فلا
يخشون حسابا ولا عقابا.
وأساسها
ـ أيضا ـ هو اعتقاده أن هذا الكون بني على أحسن نظام وأدقه، وأن أي تغيير فيه على
ما هو عليه انحراف كبير وفساد عظيم، ويشير إلى هذا القاعدة المعروفة:( ليس في
الإمكان أبدع مما كان)
قال
الغزالي شارحا لها:( لا ريب أن الله عز وجل لو خلق الخلق كلهم على عقل أعقلهم وعلم
أعلمهم وخلق لهم من العلم ما تحتمله نفوسهم وأفاض عليهم من الحكمة ما لا منتهى
لوصفها، ثم زاد مثل عدد جميعهم علماً وحكمة وعقلاً، ثم كشف لهم عن عواقب الأمور
وأطلعهم على أسرار الملكوت وعرّفهم دقائق اللطف وخفايا العقوبات حتى اطلعوا به على
الخير والشر والنفع والضر، ثم أمرهم أن يدبروا الملك والملكوت بما أعطوا من العلوم
والحكم، لما اقتضى تدبـير جميعهم مع التعاون والتظاهر عليه أن يزاد فيما دبر الله
سبحانه الخلق به في