بوظائفها من عدة جهات، حتى يغدو الانسان كأنه ماكنة شكر.
كذلك الامر في المصائب والأمراض والآلام وسائر المؤثرات المهيجة والمحركة، تسوق
الدواليب الأخرى لتلك الماكنة الى العمل والحركة وتثيرها من مكمنها فتفجّر كنوز
العجز والضعف والفقر الـمندرجة في الـماهية الانسانية. فلا تـمنـح الـمصائبُ
الانسانَ الالتـجاء الى البارىء بلسان واحد، بل تـجعلـه يلتـجىء اليه ويستغيثه
بلسان كل عضو من أعضائه)[1]
قلت: هذه نعم جليلة ينبتها غرس البلاء، المضمخ بعطر
الافتقار.
قال: ليس هذا فقط بل إنه يلقن المريض أهم عرى الحياة
الاجتماعية.. فهو لا يربطه بالله فقط، بل يربطه بالمجتمع أيضا.
قلت: كيف ذلك؟
قال: لأنه ينقذ الانسان من الاستغناء عن الآخرين، ذلك
الاستغناء الذي يسوق الى الوحشة ويجرد الانسان من الرحمة، فالنفس الأمارة الواقعة
في شباك الاستغناء - الناجم عن الصحة والعافية - لن تشعر بالاحترام اللائق تجاه
العلاقات الاخوية، ولن تحس بالرحمة والرأفة بالمبتلين بالمصائب والامراض الجديرين
بالرحمة والعطف، ولكن متى ما انتاب الانسان المرض وأدرك مدى عجزه، ومدى فقره، تحت
ضغوط المرض وآلامه وأثقاله فانه يشعر بالاحترام لأشقائه المؤمنين اللائقين
بالاحترام الذين يقومون برعايته، أو الذين يأتون لعيادته، ويشعر كذلك بالرأفة
الانسانية وهي خصلة إسلامية تجاه اهل المصائب والبلايا - قياساً على نفسه - فتفيض
من قلبه الرحمة والرأفة بكل معناهما تجاههم، وتضطرم عنده الشفقة حارة ازاءهم، واذا
استطاع قدّم لهم يد العون، وان لم يقدر عليه شرع بالدعاء لهم، أو بزيارتهم
والاستفسار عن راحتهم وأحوالهم مؤدياً بذلك سنةً مشروعة كاسباً ثوابها العظيم)[2]