وقياسا على هذا (لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها،
ولم يعمل بها: لا تفيده إلا بالعمل)[1]
قلت: فما طريق وصول القلب لهذه المعاني؟
قال: بالمجاهدة، والمصابرة، وقد قيل لبعضهم: (متى يبلغ
العبد إلى مقام الرضى)، فقال: (إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه،
فيقول: إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت)
السكون
لمقادير الله:
خرجت مع المعلم إلى القاعة الثالثة من قاعات الغيبة بالله،
وهي قاعة (السكون لمقادير الله)، وقد علق على بابها لوح من نور كتب عليه قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ (الأحزاب:36)
سمعت في مدخلها أصواتا حانية قوية تقول: (إن لم تستطع أن
تبلغ تلك الدرجات الرفيعة التي نزلها الأولياء، فنالوا بها الفرح والرضوان، فلا
تنزل إلى دركات المعرضين المعارضين لله، فتخسر خسارتين عظيمتين:تخسر ربك الذي لا
يرضى أن يعارض في ملكه أو يعقب عليه في تدبيره.. وتخسر صحتك وراحتك التي لن يعوضها
اعتراضك)
قلت: يا معلم.. ماذا تقول هذه الأصوات؟.. وما هذه القاعة؟..
وما الفرق بينها وبين القاعة السابقة؟.. فإني لا أرى الرضى إلا سكونا لمقادير
الله.
قال: هذه القاعة تجيب الشبهة التي ينفخها الشيطان في نفسك،
وفي كل النفوس الضعيفة، ليقول لها: (كيف ترضي عنه، وهو يسومك بأنواع البلاء، أليس
هو الطبيب الشافي؟)