الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، وأسألك
خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، وأسألك القصد في
الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد
القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، وأسألك
الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان
واجعلنا هداة مهتدين)[1]
فإن صدقت في دعائك، وألححت فيه كما يلح الغريق طالبا
النجدة، فسسيرزقك الله فهم حقيقة الرضا، والشرب من شرابه.
قلت: فكيف يرزقني؟
قال: أول رزق يسوقه إليه هو تعريفك به، فإذا عرفته عرفت
حقيقة العلم، قال بعض الصالحين: (الرضى هو صحة العلم الواصل إلى القلب، فإذا باشر
القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضى)، فقد اعتبر الرضى علامة على وصول العلم للقلب،
لأن العلم المحجوز في زوايا العقل أضعف من أن يحقق لصاحبه هذا المقام الرفيع.
قلت: ولكنا نعرف حقيقة العلم من دون هذا؟
قال: لا.. حقيقة العلم أن تشربه لا أن تسمعه، وأن تعيشه لا
أن تكتبه.. فالعلم الذي لم يوصل صاحبه إلى الحقيقة كالدواء الذي لم يستعمل، فإن
صاحبه يظل مريضا، ولو ظل يردده أبد الدهر.
وقد شبه الغزالي من لم يعش علمه برجل في برية، وله عشرة
أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعا وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، (فما
ظنّك؟ هل تدفع