قال سري فسمعت كلاما أبكاني فلما رأت دموعي قالت: (يا سري هذه دموعك على الصفة، فكيف لو عرفته حق المعرفة؟) فقلت: (هذا أعجب.. من أين عرفتني؟) قالت: (ما جهلت منذ عرفت أن أهل الدرجات يعرف بعضهم بعضا) فقلت: (يا جارية أراك تذكرين المحبة فمن تحبين؟) قالت: (لمن تعرف إلينا بآلائه، وتحبب إلينا بنعمائه، وجاد علينا بجزيل عطائه، فهو قريب إلى القلوب مجيب تسمى بأسمائه الحسنى، وأمرنا أن ندعوه بها فهو حكيم كريم قريب مجيب) قال معلم السلام: سق هذا الحديث لقومك ليستعملوا هذا العلاج في مداواة الأمراض النفسية والعصبية التي تعج بها مستشفياتكم.. فذلك خير لكم من تلك السموم التي تسممونهم بها. الرضى عن الله: خرجت من قاعة الحب بإلحاح شديد من المعلم، فقد أنست لأنوارها وأصوات أوليائها، وما استشعره كياني من مواجيد وأشواق تنسي كل ألم، وتثمر كل راحة. قال لي المعلم: ألم أقل لك: لا تسكن لشيء.. ارحل دائما، فلا يتعلم من لا يرحل؟ قلت: أجل.. ولكني رأيت نفسي في ذلك المحل، فلم أرد الخروج منه. قال: ستجد نفسك في كل محل.. ولن تعرفها إلا بعد أن تدخل كل المحلات. قلت: فأين نسير الآن؟ قال: إلى قاعة (الرضى)، فهو العلاج الثاني الذي تغيب به النفس عن نفسها، فتنشغل عن بلائها. دخلنا قاعة ممتلئة سكينة وجمالا، وقد علقت عليها لافتة من نور كتب عليها قوله تعالى:﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ (المائدة:119)، وسمعنا أصواتا عذبة عند مدخل الباب تقول: (إذا رأيت قلبك ممتلئا بالأغيار، واستحال عليك الاجتماع مع الله، والفناء عن ذاتك، فانظر إلى صفات كرمه، ورتل أسماء لطفه وإحسانه، وتأمل مراده من ذلك البلاء، فإنك إن لم تبلغ درجة أن ترضى به، فلا تنزل عن درجة أن ترضى عنه) قلت: يا معلم، لقد ذكرني هذا الصوت الجميل بقول بعضهم يوماً عند رابعة: اللهم ارض عني، فقالت: أما تستحي من الله أن تسأله الرضا، وأنت عنه غير راض؟ فقال: أستغفر الله، فقيل لها: فمتى يكون العبد راضياً عن الله تعالى؟ قالت: (إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة) قال المعلم: لقد أشارت إلى أن للمصيبة سرورا عند العارف كما أن للنعمة سرورا، لأن ما يلحظه العارف في ثنايا المصيبة يبدد الظلمات التي ينفخها الحزن واليأس. قلت: وهل للرضى من لذة؟ قال: هي لذة لا تقل عن لذة الحب، بل إنه لا يمكن أن يرضى من لا يحب، كما لا يحب من لا يرضى، ألم تعلم بأن الرضوان أعلى الدرجات؟ قلت: لقد بين الله تعالى أن هذا هو مقام الصادقين مع ربهم، لا يزال رضاهم بالله ورضاهم عنه رائد علاقتهم بربهم إلى يوم يلقونه، قال تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً مْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
|
|||||||||||||||||||||||
نام کتاب : ابتسامة الأنين نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 34 | |||||||||||||||||||||||
|