رأيت صورة سواد عظيم يغمر الكون فيملأه بالكآبة، وإذا
بإغاثة إلهية تنزل على ذلك السواد، فترفع ما علاه من الظلام، وتحوله إلى نور تمتلئ
بجماله أرجاء القاعة.
سألت المعلم عن سر هذه الصورة، فقال: هذا مظهر من مظاهر
الإغاثة أرسله فارج الكروب، ليمحو الغين الذي ران على الكون والقلوب.
قلت: وما الكروب؟
قال: الكرب هو الغم الشديد، والمصيبة العظيمة، ولذلك لم يرد في
النصوص المقدسة إلا في مواضع الشدة الشديدة، والدواهي العظيمة.
قلت: نعم، فقد ورد في حديث الشفاعة الطويل قوله a: (يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد
فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا
يطيقون)[1]
قال: وورد قبل ذلك في قوله تعالى مخبرا عن إنجائه لنوح u من الكرب:﴿ وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ
قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾
(الانبياء:76)، وقال
تعالى:﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ((الصافات:76)
وأخبر عن إنجائه لموسى وهارون ـ عليهما السلام ـ، فقال تعالى:﴿ وَنَجَّيْنَاهُمَا
وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ (الصافات:115)
قلت: الله !.. ما أعظم رحمة الله بأنبيائه !
قال: وبجميع خلقه، ألم يخبر تعالى عن سنته في إنجاء كل
الخلق من كل الكربات، فقال تعالى:﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا
وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ (الأنعام:64)