انظر ـ أيها المريد الصادق ـ كيف اعتبر
الله تعالى إلههم ـ أي إله اليهود والنصارى ـ هو نفسه إله المسلمين مع ما يحملونه
في دينهم عن الله من تشويه، ومع ذلك لم يقطع الصلة بهم، بل لم يقطعها حتى بعد
رفضهم لتلك الدعوة، فليس في النصوص القرآنية أي دعوة لقطع العلاقة مع أي دين من
الأديان، أو شعب من الشعوب إلا مع المحاربين الذين يأبون الحديث إلا بلغة السيف.
إذا وعيت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ
فاعلم أن سعيك للوحدة وتأليف القلوب لا يعني أن ترضي من تحاوره، فلا ترد له رأيا،
ولا تفند له حجة، حرصا على قلبه؛ فالأمر ليس كذلك.. بل إن التنازع في مثل هذا
مشروع، ولا حرج فيه، ولو أدى إلى غيظ محاورك، ما دمت ملتزما بالأدب معه.
ولهذا وصف الله تعالى المؤمنين
بالتنازع، ولم ينفه عنهم، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]
لكنه بين أنه في حال تنازعهم يرجعون لله
ورسوله وأولي الأمر منهم.. فإن فعلوا ذلك كان نزاعهم طيبا، ومشروعا، لكنهم إن لم
يفعلوا، واستبدوا بآرائهم وأهوائهم، يكونون في ذلك الحين قد وقعوا في النزاع
الحقيقي المحرم.
ومن هذا النوع من النزاع المشروع، ما
أخبر الله تعالى من الخلاف الذي وقع بين قوم أهل الكهف من المؤمنين في كيفية
تكريمهم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا
أَنَّ
نام کتاب : مثالب النفس الأمارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 549