ولذلك
لا تغتر ـ أيها المريد الصادق ـ بمجرد انتسابك للصالحين، أو كونك معهم، أو تكثيرك
لسوادهم.. بل افرح بنعمة الله تعالى عليك بذلك، ولا تتكبر بها على غيرك؛ فلو شاء
الله لسلب ما أعطاك من المحبة، وما رزقك من الهداية، وجعلها في الذين استكبرت
عليهم، أو سخرت منهم.
واحذر ـ أيها المريد الصادق ـ
وأنت في غمرة فرحك بطائفتك التي تتوهم أن الله هداك إليها، أن تسكن نفسك عن البحث،
أو أن تجاريها فيما تراه مخالفا للقيم التي جاء بها دينك، فأنت مطالب بالتجرد مع
الحقيقة، والدوران معها حيث دارت..
فالمتجرد للحقيقة المخلص لها لا
يبالي هل قبلها قومه، أم لم يقبلوها، وهل هي متناغمة مع قومه، أم ليست متناغمة
معهم.. بل هو يطلب الحق لذات الحق، لا لأنه وجد قومه عليه.. فمعيار الحقيقة عنده
هو كونها حقيقة، لا لكون قومه أو طائفته اعتقدوها أو فعلوها.
ويلزم من هذا أن المتجرد للحق
يسمعه من أي كان، ويأخذ الحكمة من أي فم خرجت، ومن أي بلد صدرت.. فهمه الحكمة لا
قائلها، ولا مصدرها.. ويلزمه أيضا أن يدور مع الحق حيثما دارت الحقيقة، فبوصلته هي
الحقيقة، لا من يزعم أنه يمثلها.وقد ذكر القرآن الكريم الميزان الدال على التجرد
للحق، والتخلص من الأنانية والقومية والعصبية، فقال:﴿ لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾(المجادلة:22) ويعقب القرآن الكريم مبينا العوض الإلهي
لهؤلاء الذين باعوا الفرح والزهو