وهذا
القيد يجعل من الجدال المؤدي إلى الخصومة حوارا يبحث عن الحقيقة، ويطرح كل طرف
وجهة نظره بطريقة هادئة، وبعيدا عن كل الأهواء النفسية، وهو ممدوح في كل الأحوال،
لأنه وسيلة من وسائل طلب العلم.. ولهذا لم يذمه القرآن الكريم مطلقا، بل ورد ما
يشير إلى مدحه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)﴾ (الكهف)، وقوله:﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ
يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)﴾ (المجادلة)
والفرق
بين الحوار أو الجدال بالتي هي أحسن، والذي ورد الثناء عليه، بالمراء والجدال
والخصومة يكمن في المنابع التي ينبع منها، والدوافع التي تدفع لها.. فهي في الحوار
طلب البحث عن الحقيقة، أو توضيحها، وذكر أدلتها.. مع صفاء النفس وسلامة القلب، أما
في الجدال والمراء، فهي الأمراض النفسية الكثيرة، والتي ذكر الحكماء منها (قصد
الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدّق عند الناس، وقصد المباهاة والمماراة
واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدوّ
الله إبليس)([833])
ويتفرع
عن هذه الخصال خصال أخرى كثيرة، مثل (الأنفة، والغضب، والبغضاء، والطمع، وحب طلب
المال، والجاه للتمكن من الغلبة، والمباهاة، والأشر، والبطر، وتعظيم الأغنياء
والسلاطين والتردد إليهم والأخذ من حرامهم، والاستحقار للناس بالفخر والخيلاء،
والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام، وخروج الخشية والخوف والرحمة من