قال:
لقد كنت مثلك أظن أن الموت فناء.. لكني اكتشفت أن الموت ليس إلا رحلة من مدينة إلى
مدينة، ومن عالم إلى عالم.. وواحسرتاه على ما جنته يداي.
قلت:
لكن صديقي كان وسيما صاحب رائحة طيبة.
قال:
ذاك جسده الذي كان حجابا بينك وبين معرفته.. أما ما تراه فهي نفسه الخبيثة
الممتلئة بكل ألوان الدنس.. كل ما تراه من دمامة ليس سوى أخلاقي وأعمالي التي شكلت
منها نفسي في تلك المدينة.
قلت:
فكيف وجدت طعم الموت؟
قال:
ألم تسمع ما ذكره القرآن عن النازعات.
قلت:
بلى.. فقد قال الله تعالى: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ
نَشْطًا﴾ [النازعات: 1 - 2]، وقد ذكر في تفسيرها أنها (الملائكة، حين تنزع
أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه
بسهولة وكأنما حلته من نشاط)[1]
قال:
فقد كنت أنا من أولئك الذين قبضت أرواحهم بشدة.. لقد ذكر لي ذلك صاحبي، وحذرني
منه، لكني كنت أسخر منه، لقد تلا علي حينها بعض آيات من القرآن تذكر ما تفعله
الملائكة بأصحاب النفوس الخبيثة.. لكني لا أذكر ما قرأه، ولا أستطيع.