قال:
أجل.. وقد أشار إليها قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ
وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (الرعد:39)، فالآية الكريمة تشير
إلى نوعين من الأقدار: أقدار جازمة ثابتة جبرية، وأقدار اختيارية محتملة، يمكن أن تمحى
أو تبدل.
أ ـ الأقدار الجبرية:
قلت:
فحدثني عن الأقدار الجبرية الجازمة.
قال:
هي التي يجد العبد نفسها مختبرا بها من غير أن يكون له كسب فيها.. وقد يتألم لها،
مع أن الله لم يقدرها عليه إلا لمصلحته.. وقد يغتر بها ويستكبر، مع أنها ليست من
عمل يده.
قلت:
أتقصد تلك التي أشار إليها قوله تعالى عند ذكر التنوع في
بسط الرزق وقبضه:﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا
فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ
خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ (الشورى:27)، أي لو أعطاهم فوق حاجتهم التي تختلف باختلاف
طبائعهم وأحوالهم لحملهم ذلك على البغي والطغيان.
قال:
أجل، فالله تعالى بحكمته وخبرته بعباده يختار لكل واحد منهم ما يناسبه من العطاء
المرتبط ببيئته وزمانه وحاله وكل ما يصلحه، كما قال a: (أتانى
جبريل فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك:
إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا
يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا
بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر)[1]
[1]
رواه الخطيب (6/14)، والديلمى (5/250، رقم 8098)