أنت
أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو
إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي،
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي
غضبك، أو يحل علي سخطك، لكن لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)[1]، فقد اكتفى رسول الله a باللجوء إلى ربه، والتضرع
إليه، والخوف من غضبه، مع كل تلك التضحيات التي قدمها.
قال:
هكذا هم رسل الله وورثتهم عليهم الصلاة والسلام.. فكلهم اختبروا بكل ألوان البلاء،
ولم يمكنوا إلا بعد مرورهم عليها، ونجاحهم فيها.
قلت:
لقد ذكرتني بقوله a
جوابا لمن سأله عن أشد الناس بلاء: (الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل، فالأمثل من
الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في
دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة)[2]
قال:
أجل.. ولهذا اختبر الله تعالى يوسف عليه السلام قبل التمكين له في الأرض بالدخول
إلى السجن، ومعاينة آلامه.. واختبر قبل ذلك بإيذاء إخوته له واستعباده.
قلت:
أجل.. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك عند قول يوسف عليه السلام بعد مجيء إخوته،
وسجودهم له: ﴿ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ
جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ
[1] سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير
العباد، (2/ 439)
[2] رواه عبد بن حميد (146) ، والدارمي
(2783) عن أبي نعيم، والحاكم 1/41.