تطيقون،
فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه)[1]
قلت: فهل لهذا الركن من أركان سنن
التغير علاقة بما حصل لقومك؟
قال: أجل.. لقد بدأ انحرافهم بالتنطع
والوسوسة في بعض أمور الدين؛ فاستغرقوا فيها كل جهودهم وأوقاتهم، وقد جعلهم ذلك
يضيعون غيرها، وقد تسلل الأعداء من ذلك الغير.
قلت: لم أفهم.
قال:
سأضرب لك مثالا على ذلك.. لقد راح قومي يقرؤون فضائل أهل العلم، وبدل أن يفهموا
العلم بمفهومه الشرعي الواسع الذي يشمل كل العلوم، راحوا يقصرونه على علوم الدين،
بل على علوم الفروع، باعتباره ـ كما يتوهمون أفضل العلوم ـ وقد جعلهم ذلك يقصرون
في علوم الكون والحياة، وفي غمرة ذلك التقصير، صاروا يحتاجون في كل شيء إلى
أعدائهم، ليكفوهم شؤون الدنيا.. واستغل الأعداء الفرصة، واستعبدوهم، وأذلوهم.
قلت:
لقد ذكرتني بما قاله الغزالي يحكي عن عصره، وعن تقصير الأمة في العلوم الطبية في
نفس الوقت الذي يتهافتون فيه على الفقه ونحوه، فقد قال: (كم من بلدة ليس فيها طبيب
إلا من أهل الذمة، ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه، ثم
لا نرى أحداً يشتغل به، ويتهاترون على علم الفقه لاسيما الخلافيات والجدليات
والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع؛ فليت شعري كيف
يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به؟
هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى