بعد أن رأيت
ما رأيت في جنان العلماء حنت نفسي لأرى جنان العباد.. فطلبت من محمد أن نسير إليها..
فسار بي، وطلب مني أن أتأدب بين أيديهم حتى لا أشغلهم عما هم فيه من ألوان العبادة..
كان أول من
استقبلنا شاب يكاد يكون تربا لمحمد.. استقبلنا بقوله: مرحبا بكم في ديار العباد..
قلت: من أنت؟
قال: أنا
محمد.. أنا مرشد العباد إلى ديار العُبَّاد.
قلت: مرحبا
بك.. فمن العُبَّاد؟
قال[1]: هم من شغلهم تحصيل زادهم عن أهليهم وأولادهم ، ومال بهم ذكر المآل عن
المال في معادهم، وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغلا بمرادهم ، وتوسدوا أحزانهم
بدلا عن وسادهم ، واتخذوا الليل مسلكا لجهادهم واجتهادهم ، وحرسوا جوارحهم من
النار عن غيهم وفسادهم..
هم الذين حرموا
راحة النوم أجفانهم ، ولفوا على الزفرات ضلوعهم.. أقبلت قلوبهم تراعي حق الحق ،
فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق.. فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى ، والقلوب في رياض
الملكوت ترعى.. نازلهم الخوف فصاروا والهين، وناجاهم الفكر فعادوا خائفين، وجن
عليهم الليل فباتوا ساهرين ، وناداهم منادى الصلاح حى على الفلاح فقاموا متهجدين،
وهبت عليهم ريح الأسحار فتيقظوا مستغفرين ، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين ،
فلما رجعوا وقت الفجر بالأجر نادى الهجر : يا خيبة النائمين.
[1]
هذه الكلمات منقولة بتصرف من كتاب (العبادة واجتهاد السلف فيها) للشيخ صلاح عبد
الموجود.