قد أنهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها،
وغلبت القصور السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها، ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك،
فعجز عنه الأطباء العارفون :﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ
مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)﴾
(البقرة)
أضاءت لهم
نار الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقع الهدى والضلال، ثم طفئ ذلك النور، وبقيت نارا
تتأجج ذات لهب واشتعال، فهم بتلك النار معذبون، وفي تلك الظلمات يعمهون: ﴿ مَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ
اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)﴾
(البقرة)
قلت: لقد
عظمت لي شأنهم.. وملأت قلبي مخافة منهم.. فكيف السبيل إلى معرفتهم لتجنب شرهم؟
قال: لقد ذكر
الله لهم علامات بها يعرفون..
قلت: أين
أجدها؟
قال: في نصوص
الوحيين.. هي بادية لمن تدبرها من أهل بصائر الإيمان..
قلت: فهلا
ذكرت لي منها ما أتبصر به أحوالهم؟
قال: منها الرياء،
وهو أقبح مقام قامه الإنسان، فقد قعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن،
فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلا :﴿.. وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ
قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
(142)﴾ (النساء)
أحدهم كالشاة
العائرة بين الغنمين، تيعر إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تستقر مع إحدى الفئتين،
فهم واقفون بين الجمعين، ينظرون أيهم أقوى وأعز قبيلا :﴿ مُذَبْذَبِينَ
بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)﴾ (النساء)
يتربصون
الدوائر بأهل الإيمان، فإن كان لهم فتح من الله قالوا: ألم نكن معكم؟ وأقسموا على
ذلك بالله جهد أيمانهم، وإن كان لأعداء الإيمان من النصرة نصيب، قالوا: ألم تعلموا
أن عقد الإخاء بيننا محكم، وأن النسب بيننا قريب؟.. ﴿ الَّذِينَ
يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ
نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا