قال رجل منا:
فإن افترى علي بما أنا بريء منه عند الله تعالى.
قال زكريا:
لا تكره ذلك أيضا.. ولا تشتغل بذمه، بل تتفكر في ثلاثة أمور:
أحدها أنك إن
خلوت من ذلك العيب فلا تخلو عن أمثاله وأشباهه، وما ستره الله من عيوبك أكثر،
فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك بذكر ما أنت بريء عنه.
والثاني أن
ذلك كفارات لبقية مساويك وذنوبك فكأنه رماك بعيب أنت بريء منه وطهرك من ذنوب أنت
ملوث بها وكل من اغتابك فقد أهدى إليك حسناته، وكل من مدحك فقد قطع ظهرك.. فما
بالك تفرح بقطع الظهر وتحزن لهدايا الحسنات التي تقربك إلى الله تعالى وأنت تزعم
أنك تحب القرب من الله.
وأما الثالث،
فهو أن المسكين قد جنى على دينه حتى سقط من عين الله وأهلك نفسه بافترائه وتعرض
لعقابه الأليم، فلا ينبغي أن تغضب عليه مع غضب الله عليه فتشمت به الشيطان وتقول:
اللهم أهلكه، بل ينبغي أن تقول: اللهم أصلحه اللهم تب عليه اللهم ارحمه، كما قال a
: (اللهم اغفر لقومي.. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)، وهم قد كسروا ثنيته وشجوا
وجهه وقتلوا عمه حمزة يوم أحد.
ودعا إبراهيم
بن أدهم لمن شج رأسه بالمغفرة فقيل له في ذلك فقال: (علمت أني مأجور بسببه، وما
نالني منه إلا خير، فلا أرضى أن يكون هو معقباً بسببي)
ومما يهون
عليك كراهة المذمة قطع الطمع فإن من استغنيت عنه مهما ذمك لم يعظم أثر ذلك في قلبه،
وأصل الدين القناعة وبها ينقطع الطمع عن المال والجاه، وما دام الطمع قائماً كان
حب الجاه والمدح في قلب من طمعت فيه غالباً، وكانت همتك إلى تحصيل المنزلة في قلبه
مصروفة، ولا ينال ذلك إلا بهدم الدين، فلا ينبغي أن يطمع طالب المال والجاه ومحب
المدح ومبغض الذم في سلامة دينه فإن ذلك بعيد جداً.