قال: لا يخلو العبد إما أن يكون في طاعة، أو في معصية،
أو في مباح:
فمراقبته في
الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات.
ومراقبته في المعصية
بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكر.
ومراقبته في المباح
بمراعاة الأدب، ثم بشهود المنعم في النعمة وبالشكر عليها.
وبما أن العبد
لا يخلو في جملة أحواله عن بلية لا بدّ له من الصبر عليها ونعمة لا بدّ له من
الشكر عليها فعليه بمراقبة نفسه في تلك الأحوال.
بل لا ينفك
العبد في كل حال من فرض لله تعالى عليه: إما فعل يلزمه مباشرته، أو محظور يلزمه
تركه، أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى ويسابق به عباد الله، أو
مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته.. ولكل واحد من ذلك حدود لا بدّ
من مراعاتها بدوام المراقبة.
فينبغي أن
يتفقد العبد نفسه في جميع أوقاته في هذه الأقسام الثلاثة، فإذا كان فارغاً من
الفرائض وقدر على الفضائل فينبغي أن يلتمس أفضل الأعمال ليشتغل بها، فإنّ من فاته
مزيد ربح وهو قادر على دركه فهو مغبون، والأرباح تنال بمزايا الفضائل، فبذلك يأخذ
العبد من دنياه لآخرته كما قال تعالى:﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..(77)﴾
(القصص)
بل إن الورع
يراقب نفسه حتى في الساعات التي هو فيها مشغول الجوارح بالمطعم والمشرب، فإنه مع
هذا الاشتغال لا يخلو عن عمل هو أفضل الأعمال وهو الذكر والفكر، فإن الطعام الذي
يتناوله مثلاً فيه من العجائب ما لو تفكر فيه وفطن له كان ذلك أفضل من كثير من
أعمال الجوارح.
والناس في هذا
على أقسام: قسم ينظرون إليه بعين التبصر والاعتبار، فينظرون في عجائب صنعته وكيفية
ارتباط قوام الحيوانات به وكيفية تقدير الله لأسبابه، وخلق الشهوات