بالفعل وسعيه بالجارحة، فيتوقف عن الهم وعن السعي حتى
ينكشف له بنور العلم أنه لله تعالى فيمضيه، أو هو لهوى النفس فيتقيه ويزجر القلب
عن الفكر فيه وعن الهم به.
قال: أجل..
وبورك فيك.. فإنّ الخطوة الأولى في الباطل إذا لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث
الهم، والهم يورث جزم القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت.. فلهذا
على العاقل أن يحسم مادة الشر من منبعه الأوّل وهو الخاطر فإن جميع ما وراءه
يتبعه.
قال الرجل:
فإن أشكل عليه؟
قال: إن أشكل
عليه، فلم ينكشف له فليتفكر بنور العلم، وليستعذ بالله من مكر الشيطان بواسطة
الهوى.. فإن عجز عن الاجتهاد والفكر بنفسه فليستضئ بنور علماء الدين، وليفرّ جهده من
العلماء المضلين المقبلين على الدنيا فراره من الشيطان بل أشدّ، فقد روي أن الله
تعالى أوحى إلى داود u: (لا تسأل عني
عالماً أسكره حب الدنيا فيقطعك عن محبتي.. أولئك قطاع الطريق على عبادي)
فالقلوب
المظلمة بحب الدنيا وشدّة الشره والتكالب عليها محجوبة عن نور الله تعالى، فإن
مستضاء أنوار القلوب حضرة الربوبـية فكيف يستضيء بها من استدبرها وأقبل على عدوّها
وعشق بغيضها ومقيتها وهي شهوات الدنيا؟
قلنا: وعينا
هذا.. فحدثنا عن النظر الثاني.. حدثنا عن نظرهم عند العمل.
قال: يكون
ذلك بتفقد كيفية العمل، ليقضي حق الله فيه، ويحسن النية في إتمامه، ويكمل صورته،
ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه.. وهذا ملازم له في جميع أحواله، فإنه لا يخلو في جميع
أحواله عن حركة وسكون، فإذا راقب الله تعالى في جميع ذلك قدر على عبادة الله تعالى
فيها بالنية وحسن الفعل ومراعاة الأدب.