قال: من خلال اطلاعي على علاقة المخاطبين
بالحقائق وجدت ثلاثة أصناف كبرى، تنطوي تحتها أصناف كثيرة.. وقد وجدت أن هذه الآية
الكريمة تعلمنا الأسلوب الذي نخاطب به هؤلاء الثلاثة.
قلت: فما أول هذه الأصناف، وبم يخاطبون؟
قال: أولهم هم أهل البحث عن الحقائق،
والاستعداد لتقبلها، وهم من غلبوا عقولهم على نفوسهم.. وهؤلاء يخاطبون بأسلوب
(الحكمة) التي هي عرض الحقائق مع براهينها الدالة عليها.
قلت: وما الصنف الثاني، وبم يخاطبون؟
قال: هم من أصحاب النفوس التي تمتلئ رغبة
ورهبة..
قلت: إن هؤلاء محجوبون بنفوسهم عن
عقولهم، فكيف يمكنك خطابهم، وبينك وبين عقولهم تلك الحجب الكثيفة؟
قال: بالموعظة التي دلنا عليها ربنا..
فالموعظة هي التي يمكن التسلل من خلالها إلى العقول والقلوب والأرواح وجميع
اللطائف.
قلت: وما الصنف الثالث، وبم يخاطبون؟
قال: هم أصحاب عقول، وأصحاب نفوس.. فهم
لم يتمحضوا لعقولهم، ولم يتمحضوا لنفوسهم..
قلت: إن خطاب مثل هؤلاء صعب.
قال: لقد أرشدنا الله إلى استعمال الجدال
الحسن مع هؤلاء..
قلت: لم؟
قال: لنميز خطاب النفس من خطاب العقل،
ولنتسلل من خلال ذلك إلى خطاب العقل والروح والسر وكل لطائف الإنسان.