قلت: إن ما يراه من نار تريد أن تلتهمه يجعله يطير من غير جناحين.
قال: فإن لم ير النار في تلك الحال، ولكن ثقة أخبره بأن حريقا سينزل
بتلك الدار على تلك الساعة التي ينام فيها.. أتراه يظل نائما؟
قلت: لا.. فالأمر في الحالين سواء.
قال: فالإيمان هو الذي جعله يتحرك إذن بذلك النشاط.. فلولا الإيمان
ما حدثت حركة جادة في الوجود كله.. لا في عالم الإنسان وحده.
قلت: لقد ذكرتني بقوله تعالى:﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصّبْرِ
وَالصّلاَةِ وَإِنّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الّذِينَ يَظُنّونَ
أَنّهُم مّلاَقُواْ رَبّهِمْ وَأَنّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة:
45-46)، فالله تعالى يخبرنا ـ في هاتين الآيتين ـ أن أداء الصلاة شاق على الذين لا
يؤمنون بها، ولا يخشعون فيها، وذلك لفقدان الإيمان بالعبادة المؤداة.
قال: قارن بين هذا وبين قوله a:(جُعلت
قرّة عيني في الصلاة)[1]
قلت: وقد كان a
يقول لبلال ـ إذا حان وقت الصلاة ـ:(أرحنا بها يا بلال)[2]
قال: وفوق هذا كله فإن الدعوة إلى الإيمان قبل الدعوة للأحكام نوع من
مضيعة الوقت.. ذلك أن الإيمان شرطٌ لقبول العمل، فلا يصح عمل بلا إيمان، كما قال
تعالى:﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ
لِسَعْيِهِ وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ (الأنبياء: 94)
قلت: ولأجل هذا كان رسول الله a يذكر بالإيمان في كل مناسبة، كقوله a:(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له
ما تقدم من ذنبه)[3]، وقوله ـ للرجل الذي قال له: يا
رسول
[1] رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه،
ووافقه الذهبي.