قال: وهكذا.. لقد وجدت القرآن في كل المناسبات يرتب الإيمان قبل
العمل، فهو يخاطب المؤمنين بالتكاليف بحسب ما عندهم من الإيمان، فيقول ـ مثلا ـ:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:183)، ويقول:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (البقرة:208)
فهذا النداء المرتبط بالإيمان كأنه يقول للمخاطبين: ما دمتم قد
تحققتم بالإيمان، وامتلأتم به، فإن ذلك يفرض عليكم أن تلتزموا بالسلوك الذي يقتضيه
الإيمان.
وهكذا في تعليل أسباب دخول الكفار إلى جهنم، فقد قيد الإيمان على
العمل، فقال تعالى:﴿ إنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34﴾ (الحاقة)
قلت: صدقت.. بل إن القرآن يحدد الإيمان كشرط لإمكانية التحقق بالعمل،
كما قال تعالى ـ مثلا ـ:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا
بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:232).. فكأن الله تعالى يقول
في هذه الآية: إن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه لن يتأثر بموعظة، ولن يستجيب
لطلب.. ويكون حاله في ذلك كحال الكافرين في قولهم لأنبيائهم:﴿ قَالُواْ
سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الْوَاعِظِينَ﴾ (الشعراء:
136)