ثم أمرهم باستعمال كل مدراكهم
لتحليل ما عرفوه ليستنبطوا منه أسرار العلوم وحقائقها، فقال:﴿ قُلْ
إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ
تَتَفَكَّرُوا﴾ (سـبأ: 46)، وقال عن تحليل معاني القرآن الحاوية لجميع
حقائق الوجود:﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ (النساء:82)، وقال:﴿
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد:24)
بل إن القرآن الكريم دعا إلى بذل
كل الجهود لتحصيل جميع أنواع القوى، ويدخل فيها هذا النوع من أنواع القوى، قوة
الصناعة والسياسة، فقال:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
(لأنفال: 60)
وقد جاءت التعاليم النبوية
الكثيرة تعمق هذه المفاهيم القرآنية، وترسخها، وتربي الأجيال عليها، فقد كان a حريصا على أن يمارس أصحابه أي حرفة حتى
لا يقعوا فريسة لأي نوع من أنواع العبودية:
جاء رجل من الأنصار إلى النبي a فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ فقال: بلى
حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء، فقال: ائتني بهما، فأتاه بهما،
فأخذهما رسول الله a بيده فقال: من يشتري هذين؟ فقال
رجل: أنا آخذهما بدرهم، فقال رسول الله a:(من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا؟)، فقال رجل: أنا أخذهما بدرهمين،
فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه
إلى أهلك واشتر بالآخر