كان مسلما لله، فلم يحجب به عن الله، فقال تعالى على لسانه:﴿
وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾
فلما رأى سليمان u حاجتها إلى المزيد من الأدلة، أحضرها إلى الصرح الممرد من
القوارير، وقد كان من الجمال بحيث لا يساوي عرشها الذي شغلها عن الله شيئا بجانبه،
وحينذاك لم تملك إلا أن تسلم لله، قال تعالى:﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي
الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ
إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (النمل:44)
ثم ترقيت.. وانتقلت من القصة إلى واقعنا.. فعلمت أننا في واقع
منبهر تمام الانبهار بالدنيا، فلا يمكن أن يدخل الناس في دين الله أفواجا، وهم
يروننا في ذيل القافلة، لا عمل لنا إلا استهلاك ما يصدر لنا.
قال الشعراوي: ولكن الأمم سبقتنا
في هذا المجال إلى محال لا يمكن أن يلحقوا فيها، فكيف ترى أن نسبقهم في هذا؟
قال إقبال: ذاك ما ظللت طول عمري
أبحث عنه.. لقد كنت أقول دائما لنفسي: نعم.. هم سبقونا.. ولكن مع ذلك يمكن أن
نسبقهم..
كنت أقول ذلك ـ في البدء ـ لأملأ
نفسي بالأمل.. لكن الأمل بعد ذلك اتسع، بل صار بين عيني حقيقة لا يصعب علينا
بالعمل الجاد، وبالإرادة الجادة أن نحققها.
قال الشعراوي: كيف ذلك.. بشرنا..
فطالما اهتممنا لما اهتممت له.
قال إقبال: لقد كان الحجاب
الأعظم الذي جعلنا نستشعر تأخرنا عن الأمم، وعدم إمكانية لحوقنا بهم هو تصورنا
أننا لا بد أن نبدأ من حيث بدأوا.. أي أننا إذا أردنا أن نخترع نوعا راقيا من
السيارات لابد ـ أولا ـ أن نمر بكل المراحل التي مر بها من صنعوا السيارات.