طلب منهم من دعوة الأمم إلى الله، وقد رأى أنه لا يمكن أن يدخل الناس
في دين الله أفواجا، وهم يرون المسلمين يتصارعون تصارع الديكة، فراح يبحث عن علل
الفرقة، وعن أدوية الوحدة والتقارب.
أشار إلى آخر، وقال: ذاك الكواكبي[1].. وهو رجل ذاق مرارة الاستبداد،
فراح ينفر منه، ويدعو إلى العدالة التي جاء بها الإسلام.. فلا يمكن أن يدخل الناس
في دين الله أفواجا، وهم يرون حكام المسلمين أباطرة وقياصرة وأكاسرة ونماردة.
[1] نشير
به إلى عبد الرحمن الكواكبي (1271-1320هـ)، وهو رحالة من الكتاب الأدباء، ومن رجال
الإصلاح، وُلد وتعلم في حلب، وأنشأ فيها جريدة الشهباء فأغلقتها الحكومة، وجريدة
الاعتدال، فعُطِّلت.
له من الكتب أم القرى؛ طبائع الاستبداد، وكان لهما عند صدورهما ردود فعل
قوية، وكان كبيرًا في عقله وهمته وعلمه ومن كبار رجال النهضة الحديثة.
تناول في كتابه أم القرى أسباب انحطاط المجتمع الإسلامي بتوسع وتفصيل،
وأرجعها إلى 18 سببًا دينيًا، و12 سببًا سياسيًا، و15 سببًا أخلاقيًا وتربويًا،
وقد بحث الكواكبي في هذه الأسباب على شكل حوار بين عدد من الشخصيات التي تخيَّلها،
وتناولها بالتفصيل وبإيراد الحُجج والبراهين، فكانت تحليلاً علميًا لواقع المجتمع
العربي الإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
[2] أشير
به إلى محمد إقبال (1288-1355هـ)، وهو عالم وفيلسوف وشاعر، كان يحث على الوحدة السياسية
والروحية بين جميع الشعوب الإسلامية، وقد حاول أن يعيد صياغة الأفكار الأساسية
للعقيدة الإسلامية باللغة الأكاديمية للعالم الحديث.
ظل طيلة حياته المجيدة يدافع عن الإسلام والمسلمين في المحافل الدولية
والمؤتمرات الإسلامية والكتب والأشعار التي أبدعها، ويحاول قدر طاقته إيقاظ
المسلمين من غفلتهم، ومساعدة الأمة الإسلامية على النهوض، وكان إقبال دائمًا
يعطف على الفقراء والمساكين، يجلس معهم، ويهتم بأمرهم، ويخالطهم في الطعام
والشراب.
كما كان يدعو المسلمين إلى المشاركة في حركة الحضارة والتقدم، وينبذ
الفكر الذي يكتفي من الدين بالعلاقة بين العبد وربه في صورة العبادات.
لم يترك إقبال فرصة إلا نصح فيها إخوانه من المسلمين، فيخاطب المسلم
ويقول له: (اقرأ مرة أخرى في سيرتك الأولى، اقرأ دروس الصدق والعدل والشجاعة،
لأنك أنت المنشود؛ لتسود العالم مرة ثانية، أنت تملك العالم بالأخوة وتحكمه
بالمحبة، ما الذي محا استبداد (قيصر) وشدة (كسرى)؟! أكانت هناك قوة في العالم
تحارب الجبابرة سوى قوة (علي) كرم الله وجهه، وفقر (أبي ذر) وصدق (سليمان) ؟!)