وقريب من هذا ما حدث به صحابي آخر، فقال:(بينا أنا أصلي مع رسول الله
a إذ عطس رجل من القوم فقلت:
يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: وا ثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي،
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول
الله a فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما
قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)
ـ أو كما قال رسول الله a ـ
قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا
يأتون الكهان قال: فلا تأتهم قال: ومنا رجال يتطيرون قال: ذاك شيء يجدونه في
صدورهم فلا يصدنكم، قال: قلت ومنا رجال يخطون قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن
وافق خطه فذاك)[2]
انظر.. لقد كان سلوك رسول الله a مع هذا الرجل المبتدئ في الإسلام سببا
لأن يقول هذه الشهادة التي ظلت الأجيال تحفظها:(ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن
تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني)
وانظر كيف ألان ذلك التعليم الرحيم قلب الرجل، فراح يسأل رسول الله a تلك الأسئلة التي لم يتجرأ على سؤاله
عنها لو أنه لم ير من رحمته ورفقه ما رأى.
وانظر في مقابل هذا كيف غضب من أسامة لما شفع في شأن المخزومية، فقد
روي أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول
الله a؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا
أسامة بن زيد؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله a:(أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟)، ثم
قام فاختطب، ثم قال: (إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف