قال: فرق عظيم.. فالصبي يفزع إلى أمه ويصيح ويتعلق بذيلها ويعدو
خلفها، أما هذا، فهو مثل صبي علم أنه وإن لم يزعق بأمه، فالأم تطلبه، وأنه وإن لم
يتعلق بذيل أمه، فالأم تحمله، وإن لم يسألها اللبن فالأم تفاتحه وتسقيه.
قلت: إنك بهذا تعتبر نهاية التوكل تؤول إلى الذين انشغلوا بالله عن
الأسباب.. فراحوا يتركون الأسباب انشغالا بالله.
قال: أهل الله أعمق علما، وأحكم حكمة من أن يقعوا في مثل هذه المهالك..
إن ما ذكرته لك أحوال إيمانية يمتلئ بها القلب.. أما الجوارح، فإنها لا تترك ما
أنيط بها من وظائف.. بل هي تؤديها عبودية خالصة لله.. وهي تعلم أن الله هو الفاعل
والمؤثر..
لقد قال الغزالي عند ذكره لأعمال المتوكلين:(اعلم أن العلم يورث
الحال، والحال يثمر الأعمال، وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك
التدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة، وكاللحم على الوضم، وهذا ظن
الجهال، فإن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على المتوكلين، فكيف ينال مقام من
مقامات الدين بمحظورات الدين؟)[1]
وقبله قال الحكيم الترمذى فيمن ترك الطلب والسعى، وتواكل بحجة أن
الرزق يطلب العبد كما يطلبه أجله:(إن كانوا قعدوا ينبغى لهم أن يقوموا وأن
يطلبوا، تحرزا من الطمع وفساد القلب، فلا يضيع حق الزوجة والولد، برغم أن أرزاقهم
على اللَّه، فهذا تارك للسبيل والسنة، لقوله تعالى:﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ (البقرة: 233)[2]
وقبلهما قال سهل بن عبد اللَّه:(من طعن فى الحركة، فقد طعن فى السنة،
ومن طعن فى