قال: ما ذكره إلا لنعتبر به.. إن جميع جيوش الدنيا، وجميع شرطتها،
وجميع مخابراتها لن يستطيعوا أن ينشروا الأمن الذي تنشره مخافة الله وخشيته..
ليس ذلك في هذا وحده.. بل في كل شيء..
لقد رويت النصوص الكثيرة الدالة على تأثير الخشية في تزكية النفس
وطهيرها:
ومن ذلك ما روي أنه انطلق رجل ذات يوم، فنزع ثيابه وتمرغ في الرمضاء،
وهو يقول لنفسه:(ذوقي نار جهنم، ذوقي ﴿ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً
﴾ (التوبة: 81)، جيفة بالليل، بطالة بالنهار، فبينا هو كذلك إذا أبصر النبي
a في ظل شجرة، فأتاه، فقال:(غلبتني
نفسي)، فقال له النبي a:(ألم
يكن لك بد من الذي صنعت، لقد فتحت لك أبواب السماء، ولقد باهى الله بك الملائكة)[1]
بعد أن ذكر لي رويم هذه الأحاديث وغيرها امتلأت شوقا لأن يكون لي هذا
المقام العظيم من مقامات أهل الله.. فدخلت المنزل.. وكان منزلا ممتلئا بالبركات..
وقد رأيت في الخشية ـ مع ما فيها من أحزان وآلام ـ من السرور واللذة ما لا يعدله
أي سرور ولا لذة.
الرجاء:
بعد أن غادرت منزل الخشية، واستفدت من علومه وأهله ما ملأني بخشية
الله، انتقلت مع ولي آخر من أولياء الله من أصحاب أبي مدين، وهو ابن عطاء، إلى
منزل الرجاء، وفي الطريق إليه طلبت منه أن يحدثني عن الشهود العدول الذين يشهدون
لهذا المنزل، على الشرط الذي شرطته عليهم، فقال: الرجاء ـ كما عرفه أصحابنا ـ هو
السكون لفضله تعالى بشواهد العمل في الجميع، وإلا كان اغتراراً[2].
[1] رواه
ابن أبي الدنيا وهو مرسل وخرج الطبراني نحوه من حديث بريدة موصولا وفي اسناده من
لا يعرف حاله.