كان أول منزل بدأت به سيري إلى الله منزل (الخشية)، وقد سرت إليه
بصحبة رويم.. وكان منزلا بعيدا عن العمران، وممتلئا بالمهابة.. قال لي رويم، وهو
يشير إليه: هذا منزل خصصه أهل الله لملأ القلوب بالخشية.. وسترى فيه قوما من الناس
لا هم لهم إلا ملأ قلوبهم بكل ما يملؤها بالخشية، وستجلس معهم، وستتأدب معهم بآداب
هذا المقام.
قلت: لقد عرفت شرطي.. فأنا لا أقدم على أمر حتى أعلم حكم الله فيه.
قال: كل النصوص المقدسة.. وكل أهل الله.. مجمعون على أن الخشبة مقام
من مقامات السالكين إلى الله، وأنه لا يمكن أن يتحرك السالك حركة في طريق أهل الله
إلا إذا صحبته الخشية من الله.
لقد قال تعالى يذكر ذلك، ويدعو إليه:﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً
لِمَنْ يَخْشَى﴾ (طـه:3)، وقال:﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (النور:52)،
وقال:﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا
يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً﴾
(الأحزاب:39)، وقال:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (الملك:12)
وقال في وصف عباد الرحمن:﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا
سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ (الفرقان:65 ـ 66)
وقال في وصف عباده المقربين:﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ
رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾
(الاسراء:57)
وأخبر تعالى أن توريث الأرض لا يكون إلا للخائفين من الله، قال تعالى:﴿
ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ (ابراهيم: 14) بعد قوله
تعالى:﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِم﴾ (ابراهيم: 14)
وهكذا، فإن جميع نصوص القرآن الكريم تدل على أن الأمن من عذاب الله،
والنجاة منه مرتبطة بمدى الخوف من الله، ومن العذاب الذي أعده لمن عصاه.