سرت معه طيلة ذلك اليوم، وطيلة أيام كثيرة.. وقد رأيت من أمره من
العجب ما ملأني مهابة منه..
لقد اجتمعت في شخصه جميع الكمالات.. فقد كان عارفا عابدا ورعا زاهدا
عالما يملك شخصية الإمام والقائد والمعلم من غير أن ينبس في كل ذلك ببنت شفة.
وقد أثار في نفسي من التساؤلات ما وددت أن يأذن لي معه بالكلام،
ولكنه لم يفعل، ولولا أني ذكرت قصة موسى u، وما حصل بسبب كلامه من فراقه للخضر u لكنت ملأته بالأسئلة، وبالجدل.
بعد فترة طويلة من صحبتي له، وبعد ما عرف مني حرصي على التعرف على سر
ذلك التأثير العظيم الذي أحدثه في مجتمعه، وفي غير مجتمعه أذن لي في الكلام، فلم
أجد إلا أن أسأله عن سر ذلك التأثير الذي جمع بين القوة والصمت، فقلت: يا إمام..
لقد عهدنا الأئمة أصحاب ألسنة، فكيف قعد بك لسانك دونهم؟
قال: لم يقعد بي لساني.. فأنا ـ بحمد الله ـ سليم معافى.. ولكني رأيت
الناس وخبرتهم، وعلمت أنهم يوظفون أبصارهم أكثر مما يوظفون آذانهم.. فلذلك رحت
أملأ أبصارهم بما يقربهم من ربهم.
قلت: ولكن سنة نبينا a
تحثنا على الكلام.
قال: وهي تحثنا على الفعال قبل أن تحثنا على الكلام.. بل قد
تكتفي بالفعال عن الأقوال.. ألم تسمع قوله a:(صلوا كما رأيتموني أصلى)[1]
قلت: بلى.. وسمعت معها قوله a:(لتأخذوا عني مناسككم، فاني لا أدري لعلي لا