قال: فالله تعالى اعتبر نظرنا في الكون نظرا في أفعال الله الدالة
على صفاته.. فنقرأ من خلال الكون صفات المكون، ونتعرف على المكون من خلال مكوناته.
قال: وهكذا.. فالله تعالى يأمرنا بقراء الرحمة الإلهية من خلال حياة
الأرض بعد موتها، قال تعالى:﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ
كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (الروم: 50)
ويأمرنا بالاستبشار تفاؤلا بفضل الله، وفرحا بالله، وتنسما لرحمة
الله عند هبوب الرياح التي يرسلها الله، قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي
يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ
سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ
فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (لأعراف:57)
ويعلمنا أن نقرأ لطف الله وخبرته المحيطة بكل شي من خلال حروف الماء
الساقطة على الأرض المخضرة، قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ
لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (الحج:63)
ويعلمنا أن نقرأ علم الله وقدرته من خلال السطور المبثوثة في تقلب
الزمان بأعمارنا، قال:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ
عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (النحل:70)
قلت: فأنتم إذن ـ في هذه المحضرة ـ تدرسون العلوم الحديثة؟
قال: غرور البشر هو الذي سماها كذلك.. أما نحن فلا نسميها علوما
حديثة، بل نسميها علوم الحقائق.. فكل علم منها يدلنا على حقائق الأزل والأبد.
قلت: عهدنا بأن من يدرس هذه العلوم يمتلئ قسوة.. ألا تخافون من
القسوة؟
ابتسم، وقال: من درس هذه المعارف على طريقة أهل الله، فإنه لن يزداد
إلا خشوعا وإيمانا وسعادة..