قال: إن العالم المستن بسنة رسول الله a هو الذي يرفق بتلاميذه أثناء تعليمه،
فلا ينهرهم، ولا يكهرهم، ولا يؤذهم، ولا يغضب عليهم، بل يلين لهم، ويعفو عما يبدر
منهم إلى أن تهذب نفوسهم وتصفو طباعهم.
قلنا: عرفنا فضل الرفق.. فهل في السنة ما يدل عليه في هذا الباب؟
قال: أجل.. ومن ذلك ما حدث به بعضهم قال: بينا أنا أصلي مع رسول
الله a إذ عطس رجل من القوم فقلت:
يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى
رسول الله a، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما
قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني[1]، ولا ضربني ولا شتمني، قال: (إن
هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة
القرآن)، أو كما قال رسول الله a[2]).
قال آخر: ومما يروى في هذا ما حدث به أبو حميد الساعدي قال: استعمل
النبي a رجلاً من بني أسد يقال له ابن
اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي a على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: (ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لك وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه
وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟)[3]، فلم يفصح الرسول a عن اسمه مع أن كثيراً من الصحابة يعلمون
هذا الذي عناه الرسول a،
ولكن لما كان القصد هو التحذير من الفعل المذموم وبيان ضرره وسوء عاقبته حتى لا
يقع في الآخرون، شهر بالفعل دون الفاعل، إذ ليس هناك مصلحة ترجى من ذكر اسم
الفاعل.