قال: لأن الطالب الذي امتلأ قلبه بالشهوات والأهواء والرغبات لن يبقى
فيه محل للاستفادة من العلم.. وكيف يستفيد وآلة العلم هي مرآة القلب.. ومرآة القلب
منصرفة إلى الرغبات.
قلنا: فما الثاني؟
قال: أن يتجنب كل خوارم المروءة من دنيء المكاسب ورذيلها، ويتجنب
مواضع التهم وإن بعدت، ولا يقيل شيئاً يتضمن نقص مروءة، وما يستنكر ظاهراً، وإن
كان جائزاً باطناً، فإنه يعرض نفسه بذلك للتهمة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة،
فإن اتفق وقوع شيء من ذلك منه لحاجة أو نحوها، أخبر من شاهده بحكمه، وبعذره
ومقصوده، كيلا يأثم من رآه بسببه، أو ينفر عِنه، فلا ينتفع بعلمه ولا يستفيد بذلك
الجاهل به، ففي الحديث عن أم المؤمنين صفية بنت حييٍ قالت: كان النبي a معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم
قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي a أسرعا، فقال a:(على رسلكما، إنها صفية بنت حييٍ)،
فقالا: سبحان الله يا رسول الله؟ فقال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم،
وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً)[2]
قلنا: فما الثالث؟
قال: أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الردية، كالغل، والحسد،
والبغي، والغضب لغير الله تعالى، والغش، والكبر، والرياء والعجب، والسمعة،
والبخل، والجبن والبطر والطمع، والفخر، والخيلاء، والتنافس في الدنيا، والمباهاة
فيها، والمداهنَة والتزين للناس، وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس،
والاشتغال عنها بعيوب الخلق،
[1] ذكرنا
بتفصيل مفهوم الزهد وآثاره السلوكية في رسالة (كنوز الفقراء)