ويذكر القرآن الكريم أن إبراهيم u حاور الملائكة، بل اعترض عليهم، قال
تعالى:﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا
إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ
(31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ
وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)﴾
(العنكبوت)، بل إن الله سمى حواره للملائكة جدالا، وهو دليلا على تكرر مراجعته
لهم، قال تعالى:﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ
الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ
أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ
أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)﴾
(هود)
وفوق هذا كله، فإن القرآن الكريم يحاور أهل الكتاب في قضايا دينهم،
لا يترك في ذلك قضية من القضايا الكبرى إلا طرحها.
بل إنه ـ فوق ذلك كله ـ أمرنا بحوارهم دون أن يستثني عقيدة أو غيرها،
قال تعالى:﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي
أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت:46)
فهذه الآية الكريمة ـ فضلاً عن مطالبتها بالجدال بالتي هي أحسن ـ
كأنها تقول للمسلمين: إذا لم يكن في جعبتكم الأسلوب الأحسن في الجدال فلا تجادلوا
أهل الكتاب.
وهي دعوة صريحة للحوار مع أهل الكتاب، حوار يركز على الانطلاق من
مواطن اللقاء في الفكر والرسالة، والقواسم المشتركة مع أهل الكتاب، وعلى هذا
الأساس كانت الدعوة إلى بدء الحوار من قاعدة مشتركة في قضية الإيمان التي يمكن أن
توحي بإمكانية اللقاء في القضايا الأخرى..