تركتهم يستنبطون من الحديث وجوه الآداب والحكمة، وانتقلت إلى حلقة
أخرى كان قارئها يروي ما حدث به ابن إسحق عن حوار رسول الله a مع نفر من الخزرج، قال: لما لقيهم رسول
الله a قال لهم: من أنتم؟
قالوا: نفر من الخزرج
قال: أمن موالي اليهود؟
قالوا: نعم.
قال:أفلا تجلسون أكلمكم؟
قالوا: بلى.
فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم
القرآن، قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام، أن يهودا كانوا معهم في بلادهم...
فلما كلم رسول الله a أولئك النفر، ودعاهم إلى الله،
قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدَكم به يهود، فلا
تسبقَنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من
الإسلام[1].
التفت القارئ إلى الجالسين، وقال: ما تقولون في هذا الحوار؟
قال أحدهم: أرى أن رسول الله a استفاد في هذا الحوار من المناخ النفسي والظروف المحيطة بالطرف
الآخر، فالطرف الآخر هنا ـ وهم الخزرج من أهل المدينة ـ يجاورهم اليهود وهم أهل
كتاب، فلم يكن غريبا على أذهانهم الحديث عن الله تعالى وكتبه ورسله فيما يسمعونه
دائما من اليهود، وكانوا مهيئين نفسيا لسماع حديث الإسلام، فقد كانوا يحسون دائما