بالفكرة، وبرهان على الصدق في المضي بها إلى آخر المطاف مهما كانت
النتائج، ولهذا كان في جوابه a:(فإن
تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى
يحكم الله بيني وبينكم..)، وإظهار الصبر أحد عوامل اقتناع الطرف الآخر بصدق
المحاور وأنه صاحب هدف نبيل يضحي من أجله.
قال آخر: ومنها عدم انسياق المحاور وراء رغبات وتعجيزات الطرف الآخر،
لأن الدعوات إنما تقوم على العقيدة التي قامت البراهين على صدقها، ثم إن طلبات
التعجيز لا تنتهي لأن الهدف منها إضاعة الوقت أو جر الداعية إلى سلسلة من الطلبات
غير الواقعية.
قال القارئ: لقد ذكر المؤرخون ما أنزله الله تعالى على نبيه a جوابا على ما سأله قومه لأنفسهم من
تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى.. ومن ذلك قوله تعالى:﴿
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ
أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا
يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ
قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا
يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ (الرعد:31)، أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت.
ومنها قوله تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي
الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ
رَبُّكَ بَصِيراً﴾ (الفرقان:20)، أي جعلت بعضكم لبعض بلاءً لتصبروا، ولو
شئت أن أجعل الدنيا مع رُسلي فلا يُخالفوا لفعلت.