أشعر بجسدي فيه كعارية جاء مالكها ليستلمها.. في ذلك المحل ارتفع
عني ذلك التثاقل إلى الأرض، وشعرت من جديد بتلك الأشواق إلى تلك الشمس التي دعتني
العذراء للبحث عنها.
وبمجرد أن دب ذلك الشعور إلى نفسي رأيت صاحبك (معلم السلام)، وهو
يسير نحوي كما يسير البرء إلى المريض، وكما تسير العافية إلى المبتلى.. وما إن
لمحته حتى أسرعت مهرولا إليه، وقد رأيت فيه الحياة التي يئست منها، والعافية التي
غادرتني، وكنت أتصور أنها لا ترجع.
استقبلني بابتسامته التي عهدتها منه، وقال: عجبا.. ما الذي جاء بك
إلى هنا؟
قلت: سيارتي.. هذه السيارة التي ترى هي التي جاءت بي إلى هنا.
ابتسم، وقال: أأعطيتها عقلك وإرادتك لتقودك إلى هنا؟
قلت: لا.. عقلي لا يزال لدي.. وإرادتي كذلك.. وأنا لم آت إلا وفق ما
أملاه علي عقلي، وما طلبته مني إرادتي.
قال: فعقلك وإرادتك هما اللذان جاءا بك إلى هنا.. لا هذه السيارة
المسكينة المسخرة التي لا يمكنها إلا أن تطيع إرادتك، وتستجيب لعقلك.
قلت: ذلك صحيح..
ثم عقبت قائلا: وأنت.. ما الذي جاء بك إلى هنا، فأنا لا أرى معك
سيارة ولا طائرة؟
قال: الذي خلق السيارة والطائرة يستطيع أن ينقلك بهما، ويستطيع أن
ينقلك بغيرهما.
قلت: إن هذه الغابة خطيرة جدا، ولم يخرج منها أحد يسير على قدميه
سالما، فكيف ظهر لك أن تسير فيها؟
قال: لي في الغابة حاجة، فأنا أبحث عنها..
ابتسمت وقلت: ليس في الغابة إلا الأسود المفترسة.. والغزلان
المفتَرَسة.. لا يأتي مثل هذه الغابة إلا من يريد أن يَفترس، أو يريد أن يُفترس.